ادعمنا

مفهوم الاقتصاد - Economics

 

الاِقْتِصاد في اللغة العربية هو مصدر الفعل "اقتصد" والاقْتِصادَ فِي المَعِيشَة هو الادِّخَارَ وَعَدَمَ التَّبْذِيرِ. ‏على سبيل المثال، الاقتصاد في الماء يعني ترشيد استهلاك الماء وعدم الإسراف في استخدامه. ويعود أصل كلمة الاقتصاد في اللغة الإنجليزية (Economy) إلى اللغة اليونانية وتعني "إدارة الأسرة المعيشية"، حيث تنقسم كلمة "اقتصاد" في اللغة اليونانية إلى "إيكو" وتعني المنزل و"نوموس" وتعني الإدارة. وقد تطور هذ المجال من حدود فهم حسابات الأسرة إلى نطاق أشد اتساعا اليوم يشمل الدول والعالم.

تتباين المفاهيم المُعرّفة لعلم الاقتصاد (economics) بشكل كبير وفقا لزاوية النظر المستخدمة في كل تعريف، حيث يَصعُب تحديد نطاق الاقتصاد بدقة. على سبيل المثال، يعرف الخبير الاقتصادي الإنجليزي ألفريد مارشال الذي عاش في القرن التاسع عشر الاقتصاد بأنه "دراسة للبشر في مجال الأعمال التجارية العادية؛ وهو يدرس ارتباط الأعمال الفردية والاجتماعية بأنشطة التحصيل واستخدام الوسائل الماديّة للرفاه". بينما يعرف عالم الاقتصاد الإنجليزي ليونيل روبينز الذي عاش في القرن العشرين الاقتصاد بأنه "العلم الذي يدرس السلوك الإنساني كعلاقة بين الحاجات الحالية والسلع والخدمات النادرة التي لها استخدامات بديلة". تشترك أغلب المفاهيم في تعريف علم الاقتصاد على أنه علم اجتماعي يُعنى بدراسة كيفية استخدام المجتمعات لمواردها النادرة لإنتاج سلع قيّمة وتوزيعها بين مختلف الناس، حيث يَسعى الاقتصاد إلى تحليل ووصف إنتاج الثروة وتوزيعها واستهلاكها. ويشمل الاقتصاد مجموعة كبيرة من أنشطة الإنتاج والاستهلاك والتبادل المتداخلة والتي تساهم في تحديد كيفية توزيع الموارد الشحيحة.

بشكل أدق، يدرس الاقتصاد الطرق المستخدمة للاستفادة من الموارد الإنتاجية الشحيحة والمحدودة في مجتمع ما والتي لها استخدامات تشمل العمالة، والطاقة، والمعرفة التكنولوجية، والأرض، والمصانع والأدوات، لإنتاج السلع المختلفة وتوزيعها على مختلف الفئات المجتمعية. ويتضمن الاقتصاد مفهومين أساسيين هما الندرة (scarcity) والكفاءة (efficiency). وتُشير خاصية الندرة إلى عدم توفر السلع بالمقدار نفسه، ما يعني وجود بعض السلع النادرة وهو ما يخلق مفهوم السلع الاقتصادية "economic goods"، ويُنظر إلى هذه السلع على أنها نادرة لأن لدينا رغبات غير محدودة ولكن لا توجد موارد كافية لإنتاج السلع والخدمات لتلبية هذه الرغبات. أما الكفاءة فتعني عدم الهدر واستخدام الموارد الاقتصادية بأكثر الطرق كفاءةً لتلبية حاجات المجتمع. ويعمل الاقتصاد بكفاءة عندما يقع على حدود إمكانيات الإنتاج وليس داخلها، وفي هذا الحال لا يستطيع المجتمع إنتاج كمية أكبر من إحدى السلع من دون خفض إنتاج سلعة أخرى.

يشمل مجال الاقتصاد مواضيع عديدة متداخلة مثل آلية تحديد ثمن العمالة ورأس المال والأرض ودورها في توزيع الموارد كما يدرس توزيع الدخل، ويقترح آليات لتوفير الحزم الاقتصادية ومساعدات المحتاجين من دون التأثير سلباَ على أداء الاقتصاد، ويُحلّل تأثير الإنفاق الحكومي والضرائب والعجز في الميزانية على النمو الاقتصادي، بالإضافة لتأثير اللوائح التنظيمية الحكومية على كفاءة السوق كما يدرس الدورة التجارية عبر معاينة الارتفاع والهبوط في البطالة والإنتاج، من ناحية أخرى يقترح الاقتصاد إصلاحات ويطور السياسات الحكومية بهدف تحفيز وتحسين النمو الاقتصادي. على الصعيد العالمي، يبحث الاقتصاد في الأنماط التجارية بين الدول، كما يحلل تأثير الحواجز التجارية وسلوكيات الأسواق المالية ودورها في توزيع رأس المال، وحديثا، ظهرت اتجاهات اقتصادية تنظر في التنمية في البلدان النامية وتبحث في آليات استخدام مواردها بكفاءة. وبشكل عام يجيب علم الاقتصاد عن الأسئلة الأساسية الثلاثة للتنظيم الاقتصادي (أي وكيف ولمن)؛ يجيب سؤال "أي" عن نوع السلع التي يتوجب إنتاجها وكمياتها أو الخدمات المطلوبة ومواصفاتها، بينما يجيب سؤال "كيف" عن آلية إنتاج السلع أو الخدمات، وتشمل كيفية إنتاجها تحديد الموارد البشرية والخامات والتقنيات التي ستدخل في الإنتاج ويجيب سؤال "لمن" عن الأفراد والجهات التي تنتفع من إنتاج السلع والخدمات، كما يُفسّر الاقتصاد آلية توزيع المخرجات الاقتصادية والإنتاج القومي بين مختلف الأسر المعيشية.

 

فروع وأنواع علم الاقتصاد 

يتكون علم الاقتصاد الحديث من فرعين رئيسيين هما الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي واللذين يرتبطان معا بعلاقات متداخلة ومتبادلة. يهتم الاقتصاد الجزئي بسلوكيات الكيانات الفردية مثل الأسواق والشركات والأسر في صنع القرار وتوزيع الموارد. ويدرس هذا الفرع الخيارات التي يتخذها الناس في السوق والعوامل التي تؤثر في اختياراتهم وكيف تؤثر قراراتهم في السعر والعرض والطلب. كما يدرس آثار الحوافز والقرارات في استخدام الموارد وتوزيعها. ويوضح الاقتصاد الجزئي كيف ولماذا تمتلك السلع المختلفة قيمًا مختلفة، وكيف يتصرف الأفراد والشركات ويستفيدون من الإنتاج والتبادل الفعال، وكيف ينسق الأفراد ويتعاونون بشكل أفضل مع بعضهم البعض. بينما يدرس الاقتصاد الكلي مجمل الأداء الاقتصادي والنتيجة الإجمالية للإجراءات الفردية. ويركّز على الإيرادات وتدفُّقات النفقات وليس على عمليات تشغيل الأسواق. وتتدفق القوة الشرائية خلال النظام - من الاستثمار التجاري إلى الاستهلاك - لكنها تتدفق إلى خارج النظام بطريقتين، إما على شكل مدخرات شخصية أو تجارية. 

تتنوع أنواع الاقتصادات وفقا لطريقة تنظيمها، ففي اقتصاد السوق يتم اتخاذ معظم القرارات الاقتصادية حول الإنتاج والاستهلاك والأسعار والحوافز والمكافآت في السوق من قبل الأفراد والشركات، وعندما لا يوجد أي دور للحكومة في تنظيم السّوق بالمُطلق يسمى النظام "بالاقتصاد الحر". على النقيض من هذا النظام، يُسمّى الاقتصاد الذي تتحكم الحكومة فيه بجميع القرارات "بالاقتصاد الموجه". وغالباً ما تمتلك الدولة في هذا النظام معظم وسائل الإنتاج، كما تتحكم وتوجه العمليات التشغيلية داخل النظام من إنتاج وتوزيع للموارد وتوظيف العمال وتحديد آليات العمل بالنسبة للأفراد والشركات. وبينما لا يوجد دولة معاصرة تتبنى أحد النموذجين بالكامل، تتبنى معظم الدول حول العالم نموذجا مختلطا من الاثنين ضمن ما يعرف "بالاقتصاد المختلط".

 

نبذة تاريخية حول تطور علم الاقتصاد

الاقتصاد كمجال للدراسة علم قديم تطرق إليه الفلاسفة في اليونان القديمة ولا سيما أرسطو. كما حظي باهتمام العديد من علماء الاجتماع المسلمين، ومن أبرزهم ابن خلدون الذي أسس لعلم العمران ودرس العلاقة بين الفرد والمجتمع كما حلّل العديد من الظواهر الاقتصادية في حياة المجتمعات وهو ما تضمن جوانب عديدة في علم الاقتصاد الوضعي الذي استخدم في دراسته نهجاً بحثيّاً يحلل الظواهر كما هي ويستخرج ما تحتويه من علاقات وروابط.

تطوّر علم الاقتصاد بشكل كبير على يد الفيلسوف والاقتصادي الأسكتلندي آدم سميث-Adam Smith الذي يعتبر مؤسس حقل الاقتصاد الجزئي ومؤلف كتاب "تحقيق في طبيعة وأسباب ثروة الأمم " الذي صدر في عام 1776، والذي يعتبر مرجعا هاماً في علم الاقتصاد الكلاسيكي حتى يومنا هذا، ويتضمن المبادئ الأساسية لاقتصاد السوق. خلال أطروحاته النظرية، تتبع سميث تطور الاقتصادات من أنظمة المقايضة السابقة للتاريخ إلى اقتصادات مدفوعة بالمال وتستند في نهاية المطاف إلى الائتمان. ويبحث الكتاب في نقاط قوة وضعف آلية السوق كما يدرس آلية تحديد الأسعار الفردية وأسعار الأرض والعمالة ورأس المال. ومن الجدير بالذكر تزامن إطلاق الكتاب مع فترة حركات التحرر والاستقلال السياسي من استبداد الأنظمة الملكية الأوروبية ومحاولات تحرير الصناعة والتجارة من السيطرة الأرستقراطية والإقطاعية. وفي سياق مهاجمة "المذاهب الزائفة للاقتصاد السياسي" قدّم سميث تحليلاً حول دور الشركات الخاصة في حوكمة الأنشطة الإنسانية. كما وجّه الكاتب نقداً للمذاهب الحمائية لرجال التجارة بينما قدم عرضاً لمزايا التجارة الحرة. وبذلك يعد الكتاب أساساً للتنمية الاقتصاديّة والسّياسات التي تؤثّر عليها سلباً أو إيجاباً.

بعد عقود قليلة على نشر كتاب ثروة الأمم، ألّف الاقتصادي ديفيد ريكاردو مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب (1817) والذي يحتوي على تعليقات نقدية لكتاب ثروة الأمم. ويُعتبر هذا العمل نقطة تحول هامة في حقل الاقتصاد السياسي. ومن أبرز ما دعا إليه النظام الريكاردي (نسبة إلى ريكاردو) فكرة توقف النمو الاقتصادي عاجلا أو آجلا بسبب ارتفاع كلفة زراعة الغذاء في مساحة محدودة من الأرض. في كتاب "مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب"، وضع ريكاردو مفهوم النموذج الاقتصادي - وهو بناء منطقي مُحكم يتألف من عدد قليل من المتغيرات الاستراتيجية - والذي تمكن عن طريقه من الوصول إلى نتائج عملية هائلة بعد إضافة عدد قليل من المتغيرات التي يمكن ملاحظتها وقياسها تجريبياً. وعلى مدى أكثر من نصف قرن، ساد النظام الريكاردي الفكر الاقتصادي في بريطانيا. وفي عام 1848 أعاد جون ستيوارت ميل إحياء مبادئ الاقتصاد السياسي التي وضعها ريكاردو مرة أخرى في جيل آخر. إلا أنه بعد عام 1870، ابتعد أغلب خبراء الاقتصاد عن أفكار ريكاردو واتجهوا إلى ما يُعرف بنظرية القيمة والتي تبحث في آلية وعوامل تسعير تبادل السلع وهو ما يرتبط بمعضلة توزيع الموارد في ظل ظروف المنافسة الكاملة.

وفي أواسط القرن التاسع عشر، برز آخر خبراء الاقتصاد الكلاسيكيين كارل ماركس (1818-1883) وهو مفكر وعالم اجتماع ألماني. قدّم كارل ماركس أطروحات مغايرة تنتقد اقتصاد السوق، كان لها أثر كبير في تطوّر نماذج الاقتصادات الموجهة. ربط ماركس في كتاباته بين انتشار المصانع والسكك الحديدية في مختلف أنحاء أوروبا وحدوث اضطرابات هائلة، كما تنبأ بأن الاقتصادات الحرة التي تتخذ فيها قوى السوق الإنتاجية والمنافسة قرارات السوق بشكل مستقل عن أي سلطة مركزية من دون رقابة لا بد أن تخرج عن السيطرة وتسبب ركوداً اقتصادياً عميقاً وارتفاعاً في معدلات البطالة وانتهاكا لحقوق العمال في نهاية المطاف. كما ادعى ماركس أن الرأسمالية لا بد أن تفشل وتستبدل بأنظمة اشتراكية بعد أن تتسبب في تصاعد انتفاضات ثورية، وهو ما كان مخطئاً بشأنه، حيث لم تتفوّق الاشتراكية بل انحسر امتداد هذه الأنظمة بشكل كبير بعد أن كان مهيمنا على ما يقرب من ثلث دول العالم. وقد طوّر ماركس من أطروحاته متأثرا بأعمال سميث وريكاردو الذين اشتركوا في تبني "نظرية قيمة العمل" والتي ترى أن تبادل المنتجات يتناسب تقريبا مع تكاليف اليد العاملة المبذولة في إنتاجها. أضاف ماركس إليها "نظرية فائض القيمة" والتي تستند إلى افتراض أن العمل البشري هو مصدر القيمة وبالتالي فهو يشكل المصدر الوحيد للأرباح. كما تحدّث بتوسع عن قانون الكلفة النسبية - law of comparative costs.

خلال القرن التاسع عشر تطورت النظرية الاقتصادية بشكل كبير بفضل أعمال ثلاثة رجال، هم: عالم المنطق والاقتصاد الإنجليزي ستانلي جيفونز، والاقتصادي النمساوي كارل مينجر، والاقتصادي الفرنسي ليون والراس. الذين ساهموا في استبدال نظرية قيمة العمل بـ "نظرية المنفعة الحدية". طبقا لهذه النظرية، تفسر الأسعار بالاعتماد على سلوك المستهلكين في اختيار الزيادة في السلع أو الخدمات؛ أي أنهم درسوا المنفعة التي يجنيها المستهلك من شراء وحدة إضافية من شيء ما (سلعة أو خدمة) يمتلك منها كمية معينة.

شهد علم الاقتصاد قفزة ملحوظة في الثلاثينات من القرن العشرين بفضل أعمال جون ماينارد كينز- John Maynard Keynes، والذي تناول نظرية تحديد الدخل بتعمق في أطروحاته حيث بحث في العلاقة بين مستوى الدخل القومي وحجم العمالة. وركّز كينز اهتمامه على العلاقة بين العرض المتمثل بقدرة البلد على الإنتاج، والطلب الذي يمثل المستوى الإجمالي للطلب الفعلي في الاقتصاد. وبعد الحرب العالمية الثانية مرّ حقل الاقتصاد بتحولات هائلة خاصة مع تداخل علم الرياضيات تقريبًا في كل فروع المجال. إذ انتقل الاقتصاديّون من الاستخدام المحدود لحساب التفاضل والتكامل، إلى استخدام مصفوفات جبرية لإضافة بعد كمي إلى نموذج التوازن العام للاقتصاد.

 

المصادر والمراجع:

معجم المعاني الجامع، (لا تاريخ). "تعريف ومعنى اقتصاد في معجم المعاني الجامع". آخر مشاهدة: 26/12/2022، 12:45.

بول ساموويلسون وويليام نوردهاوس، (1995). "الاقتصاد". الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن. آخر مشاهدة: 26/12/2022، 12:45.

شوقي أحمد دنيا، (1993). "علماء المسلمين وعلم الاقتصاد: ابن خلدون مؤسس علم الاقتصاد". جامعة أم القرى. آخر مشاهدة: 26/12/2022، 12:45.

Will Kenton, (2022). “Economy: What It Is, Types of Economies, Economic Indicators”. Investopedia. Last seen: 12/26/2022, 12:45.

Fabrizio Baldassarre and Raffaele Campo, (2017). “Oikos nomos Vs. oikos logos? Towards the alliance between business management and environmental sustainability”. Last seen: 12/26/2022, 12:45.

Mark Blaug, (2022). “Economics”. Britannica. Last seen: 12/26/2022, 12:45.

Reserve Bank of Australia, (n.d). “What is the Economy?”. Last seen: 12/26/2022, 12:45.

The Economic Times, (n.d). “What is ‘Microeconomics’”. Last seen: 12/26/2022, 12:45.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia